أربعة عشر عاماً بعد المائة والأول من آذار يبقى رمز انبعاث نهضة
خالدة ، هو ميلاد أنطون سعاده، مؤسس الحزب السوري القومي الإجتماعي، واضع النهج ومرسي المبادئ والقدوة .
لم يعرف الزمن رجلاً نذر حياته بكل تفاصيلها من أجل قضية آمن بها مثل زعيم الحزب السوري القومي الاجتماعي أنطون سعاده. هذا الرجل لم يؤسس فقط فكرة وحركة تتناولان حياة الأمة السورية بأسرها فحسب، بل تعدّى ذلك إلى تأسيس نظرة جديدة إلى الحياة والكون والفن، تمثّلت في بناء الإنسان الجديد، الإنسان المجتمع. ليس غريباً أن يُغتال أنطون سعاده، وهو أول من حذّر من الخطر الصهيوني، حين كان في بدايات شبابه. ليس غريباً على سعاده أن يكون مشعاً بالحضور، على رغم غيابه، هذا الحضور المتمثِّل بالأجيال الجديدة التي آمن بها. هو أنطون سعاده، ولد في الأول من آذار عام 1904 في الشوير قضاء المتن، محافظة جبل لبنان، والده الدكتور خليل سعاده الذي كان طبيباً وعالماً وأديباً، ومن أبرز القادة الوطنيين في المغترب اللبناني في البرازيل.
في كل أول آذار يحيي القوميون الاجتماعيون المناسبة فيقيمون الاحتفالات ويشعلون قمم الجبال ويتبادلون التهاني .
و بالمناسبة أصدرت عميدة الإذاعة في الحزب السوري القومي الاجتماعي بياناً لفتت فيه الى انالأول من آذار لا ينفصل في دلالاته عن نهج المؤسسِ وتأصيل الفكر والعقيدة منذ الاعتناق وحتى الفداء، هذا النهج الذي يمتد الى تشرين التأسيس وتموز الشهادة هو واحد ولا ينفك يطالعنا عند كل مفصل من حياة سورية.
مع إحتلال العراق ودخول الولايات المتحدة الأميركية إلى بغداد، بدأ فصل جديد من الخطط الاستعمارية على سورية، ليتضح حجمها بشكل فاضح في العام 2011 في الشام ومشروعها الهادف الى تقسيمها والقضاء على موقعها الاستراتيجي وسلب ثرواتها.
لم يقتصر الأمر على العراق والشام بل استمرت محاولة أخذ لبنان إلى خارج محوره الطبيعي ليغدو رهينة الإرادات الأجنبية. وما رافق ذلك من محاولات تصفية المسألة الفلسطينية بمشاريع التوطين والتهجير والتقتيل العشوائي والحصار اللاإنساني واللاشرعي لقطاع غزة وهو يشكل إبادة جماعية بكل المعايير الدولية، وصولاً إلى إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب القدس عاصمة لكيان العدو.
وما جرى خلال هذه الحروب من تواطؤ بعض الأنظمة العربية أو ضلوعها بالسياسة والتمويل والمشاركة المباشرة، لا بد أن يعيد إلى أذهاننا تاريخاً طويلاً من التخاذل والتآمر والتعامل والتسليم العربي ما أفقدنا سيادتنا في فلسطين وأتاح توسع الاحتلال “الإسرائيلي”.
فالموقف العربي الرسمي الذي ظهر في معركتنا على الإرهاب في الشام هو صورة عن الموقف العربي خلال العدوان على غزة وهو نسخة عن المشهد الذي كان قائماً أبان النكبة في فلسطين، والمشهد نفسه شاهدناه في حرب العدو على لبنان في تموز من العام 2006.
وعلى الرغم من حجم التحشيد والتمويل والامكانات في كل هذه الحروب التي شُنّت على أمتنا، أكد شعبنا ببسالةٍ إرادتَهُ وتصميمَهُ على الحياة، وأتى انتصار المشروع المقاوم ليوقف كل هذه المخططات وليعيد الى بلادنا دورها الطبيعي.
جاء انتصار المشروع السوري المقاوم في معركته بوجه إرهاب الدولة “الاسرائيلية” ومن خلفها الولايات المتحدة الأميركية، وانتصار حلف المقاومة بوجه الارهاب الظلامي من بغداد إلى بيروت مرورأ بالشام ليثّبت أهمية وحدة القوى الحيّة التحررية في بلادنا وما يمكن إنجازه بالثقة بأنفسنا وبقدرتنا على مواجهة المشاريع الأجنبية المعادية وتذليلها أمام التفوق السوري وصلابة الارادة بحفظ الأرض والشعب والثروة.
إن تطور العمل المقاوم وتوحّد الجبهات، لمحاربة الارهاب، له دلالته على الصعيد الداخلي والدولي وأثبت أن الأمة السورية لو توحدت إرادتها قادرة على إدارة معركتها بنفسها وتقرير مصيرها. من هذا المنطلق كان قرار الدولة السورية في الشام إسقاط الطائرة “الاسرائيلية”. وهو قرارٌ بتغيير قواعد الصراع مع الاحتلال. لم تعد سماؤنا مباحة أمام عنجهية العدو فإمكاناتنا العسكرية باتت اكثر قدرة على حماية السماء السورية والأرض السورية والبحر السوري. هو قرارٌ بمواجهة مباشرةٍ لإرهاب الدولة وإعلانٌ بأن معركة التحرير قد بدأت وأن الجيش السوري هو جيشٌ سياديٌ إقليميٌ وقادر على مواجهة الاحتلال.
إن زمن التسليم بالامر المفعول والارادات الاجنبية إنقضى، لقد أمسك شعبنا بزمام أمره، وهو يقدّم، على كامل تراب الوطن، في الشام وفلسطين والعراق ولبنان الدليل القاطع على ثقته بنفسه واعتصامه بإرادته وأنه ليس بواضع سلاح الحرب إلى أن ينتصر.
أثبت شعبنا في العراق أن معركته لاستعادة وحدة حياته قد بدأت ولا تراجع عنها وما انتصاره في حربه على الارهاب وتحرير الاراضي العراقية وتوحّد العراقيين خلف جيشهم في هذه المواجهة ورفضهم كل أشكال الانفصال والتقسيم الا دليل على إرادة شعبنا بالحياة والسير نحو التعافي من آثام الافكار الظلامية.
وفي الشام يحقق الجيشُ السوري ونسورُ الزوبعة ومعهم محور المقاومة انجازات نوعية في مواجهة قوى العدوان والارهاب على بلادنا. وتفرض هذه القوى سيادتها على تراب الشام كاسرة مشاريع التقسيم والفدرلة في الشمال عبر اسقاط اوهام الانفصاليين ومواجهة الخطر التركي المحتل لاراضينا في كيليكيا ولواء الاسكندرون واحلامه الممتدة الى حلب. اما في الشرق فتم تحرير متوازٍ مع تقدم الجيش العراقي في الموصل وفي الجنوب كُسرت مشاريع التقسيم والمناطق العازلة المدعومة من الدولة اليهودية على مشارف مطار الثعلة حيث سطّر رفقاؤنا اروع ملاحم البطولة والفداء مسقطين مشروع اقليم الجنوب والذي دفن الى غير رجعة مع إسقاط طائرة الاحتلال بصواريخ “سورية الارادة”.
كل هذه التطورات تؤكد ان مرحلة الخطر قد زالت بفضل التضحيات والدماء، وأن الدولة في الشام مصممة على بسط سيادتها على كافة أراضيها.
أما فيما يتعلق بالمسألة الفلسطينية فيتحتم علينا أن نقوم بمسؤوليتنا، ونحن نتعرضُ لهجمة حقوقية واجتماعية وإنسانية وسياسية جديدة. إننا لا نرى في اعتراف الرئيس الأميركي بالقدس عاصمة لكيان الاحتلال اية شرعية قانونيّة، لا بل إنه يشكل إنتهاكاً خطيراً لكل المواثيق والأعراف الدولية. وعلى الفلسطينيين أن يحققوا الوحدة تحت سقف الحقوق الوطنية والقومية. وان دورَنا لا يُختزل بمواقفَ واستنكاراتٍ بل في السعي الى إستنهاض شعبنا وتوحيد قواه الحيّة ورفد مقاومته ودعم إنتفاضته في الأراضي المحتلة وإعادة توجيه بوصلة الصراع إلى فلسطين، من أجل التحرير الكامل وضمان حق العودة المُجْمَعِ عليه دولياً وإنسانياً وهو حق ثابت غير قابل للتفاوض أو التنازل أو الاستفتاء.
وفي لبنان فإن معركة سياسية أساسية وجب الاستعداد لها في الإستحقاق الإنتخابي مطلع شهر أيار المقبل. ففي ظل المحاولات المستمرة للولايات المتحدة الاميركية ومعها بعض الدول الأوروبية المتحالفة مع العدو وبتواطؤ عربي لتغيير وجه لبنان المقاوم وتشريع سرقة العدو لموارده النفطية وما تبعه من دخول لبنان في معركة الحفاظ على ثرواته ومصالحه الوطنية، تأتي هذه الانتخابات النيابية بعد تسع سنوات وهي تحمل مجموعة من الاستحقاقات المفصلية على الساحة اللبنانية.
إن الانتخابات النيابية المقبلة هي إمتحان لقدرتنا على تعزيز قوة الحزب كقوة تغييرية فاعلة وعلى تثبيت موقع لبنان في الصراع والاستمرار في تصويب اتجاهات السياسة اللبنانية المدعوة إلى إعادة العلاقات على المستوى الرسمي مع الشام لحل الملفات العالقة بين البلدين واتخاذ موقف موحد من موضوع النفط والغاز بوجه العدو “الاسرائيلي” وأطماعه التوسعية في المنطقة للحفاظ على مصالحنا القومية.
من هذا الاتجاه ينظر حزبكم إلى الاستحقاق الانتخابي المقبل، وهو يدعوكم إلى أوسع مشاركة وإلى جعل هذا الاستحقاق في صلب اهتماماتكم في هذه المرحلة القصيرة التي تفصلنا عنه. ولا شك أن معركتنا ستستمر بعد الانتخابات لطرح قانون انتخابي نسبي، بشكل صحيح، أساسه لبنان دائرة واحدة خارج القيد الطائفي مما يؤسس لدولة المواطنة.
أخيراً، إن الانجازات التي حققتها جيوشنا الوطنية في الشام ولبنان والعراق ومعهم المقاومة في مواجهة الارهاب والاحتلال تؤكد صوابية وأهمية الوحدة القومية لتأمين مصالح الوجود لأمتنا وهذا يدعو لوضع مذكرة تفاهم بين هذه الاطراف للاستفادة من التجربة اللبنانية ما بعد الطائف في دمج المقاومة المسلحة بالاجتماع السياسي الوطني.
إن الأول من آذار هو عيدٌ للأمل والثقة بأنفسنا وبمؤسستنا الحزبية والعمل لنهضة أمتنا وانبثاق مُثلنا وثباتنا على تضحياتنا وتمسكنا بسيادتنا وايماننا بانتصارنا، هو حمل وصية سعاده بالعمل لسورية ولوحدتها ولسيادتها فنحن “مبدأ حياة فاعلة” و”جنود نهضة تحارب في جميع الجبهات لأن حربنا هي حرب عزّ لهذه الأمة”… و”قد انتصرنا انتصارات كثيرة غير منظورة وانتصارات كثيرة منظورة، وسيكون لانتصارنا الأخير مشهد ينظر إليه العالم أجمع”.